إن لمصطلح الاغتراب، استخدامات متنوعة في التراث اللغوي والفكري والفلسفي والاجتماعي.
وأحب أن أوضح في البداية أن الاغتراب يختلف عن الغربة التي تعني انتقال الفرد من بلده ووطنه وأهله إلى آخر يختلف عنه.
والاغتراب ورد في (قاموس وبستر) بمعنى الانفصال العقلي المتمثل في الكائن المغترب وغير السليم.
فقد استخدم في البداية بمعنى الحط من قدر الإنسان وإهدار فرديته نتيجة لمجموعة من العوامل المصاحبة لظروف التغيرات الاجتماعية والتكنولوجيا والتي جعلت الإنسان مجرد مخلوق آلي وسلبته إرادته.
ويرى أفلاطون أن الاغتراب هو التأمل الحق بحالة الكائن الذي فقد وعيه بذاته فصار الآخر مغترباً عنه، وبهذا يشير الاغتراب عند أفلاطون لحالة التجاوز.
وهيجل يعرف الاغتراب بأنه هو الانفصال.
إذن الاغتراب هو انفصال ذات المرء عن الآخرين.
أما كارل ماركس فيرى أن الاغتراب هو سلب الحرية المصاحبة لنمط العلاقات السائدة، ويقول ماركس إن الإنسان الحديث قد هرب من روابط العصور الوسطى ولكنه لم يكن حراً لأن يقيم حياة بمعنى كامل تقوم على العقل والحب ومن ثم كان خضوع الإنسان الحديث للدولة ومجاراته الاتوماتية المغتربة.
ويرى البعض أن الاغتراب يشير لحالة الإنسان الذي تجاوز ذاته، ويصير مغموراً في الله.
وهذا السبب في وجود المذهب الصوفي في الإسلام حيث يرى الإنسان أنه في الأصل كان في الجنة ثم نزل للحياة الدنيا ويحن للعودة إلى الآخرة فوجوده حالياً هو اغتراب.
ويتبين من معالجتنا للمرحلة السابقة للاغتراب أنه مرحلة تفتح عندما تتعارض اختيارات المرء مع المعايير الثقافية، وعندما تصل إلى هذه المرحلة يكون قد بلغ مرحلة الرفض الثقافي، وهنا يكون المرء مهيئاً للدخول في مرحلة الاغتراب التي تؤدي إلى العزلة الاجتماعية.
فيصبح الإنسان هامشيا في مجتمعه ويصبح فاراً وهارباً من المواجهة والالتزام، وتصبح الحياة بالنسبة له بلا معنى وغير محتملة وبعضهم يصل به الاغتراب إلى درجة الانتحار لأنه يرى ذلك حلاً، أما الأقل اغتراباً فإنه يصبح متبلدا وغير مبالٍ.